-->
Images Design tool

الكاتبة والفلوجر آية سمير محمد

قصة طفولة مسروقة

- طفولــــةٌ مَسرُوقــــةٌ ...


تَجري بتَنُّورتِها القصيرةِ الباهتةِ الألوانِ ، حافيةَ القدمَين ، ومِن خلفِها تتَدَلّى ظفيرَتُها القصيرَةُ ...



أمُّها تجمَّعت حولَها دجاجاتُها وهي تَنثُر بيديها الشاحبتَين حباتٍ من الشعير ، وحولها جلبةٌ ، أصواتٌ مُختلفةٌ مختلطةٌ من الدجاجِ والإوزِ والدّيَكةِ وعددٍ قليلٍ من الحجلاتٍ التي أطلقت أصواتا تُسمَعُ من بعيدٍ ...


إتجهتِ الطفلةُ " نورَة " نحو خُمّ الدجاجِ لتستَكشفَ الأمرَ وتطمئنَّ على أنّ الكلَّ خَرج وٱنسحبَ ...


وفي أثناءِ عودتِها ، صادفَت في طريقِها " الحاج عيّاد " ، قبّلتْ يدَهُ ، وتلك عادةُ أهلِ الرّيفِ ، شكرَها وأثنَى عليها ، ودعَا لها بالخيرِ ...


مدّ يدَه إلى وجنتَيْها وأمسَك بإحداها مازحاً معها ، حتى ٱحمَرّ وجهُها خَجلاً وهي تُقهقِهُ لبَراءَتها الطفوليّةِ ...


تأخرتْ في طريقِ عودتِها وجاءت أمُّها لتَطمئنَّ عليها ، فأشار الحاجُّ بيدِه ليقولَ لها إنَّها معي هُنا...


ذهبتْ أمُّها " الويزة " لتُسلّمَ عليه وهو من العائلةِ وجارٌ لها ...


نظرَ إلى " نُورَة " وقال لها :


إبنتُكِ " نورَة " ماشاء الله جميلةٌ ، ستكون أروعَ وأجملَ فتاةٍ ، ولمّا تكبرُ سأُزوّجُها لإبني أحمد !!!


عادت " الويزةُ " وهي تحملُ في يدِها رُزمةً من الحشائشِ لتتناولَها لمعزاتِها ، لكنّها تأثّرتْ بقول الحاج " عيّاد " فٱتّجهتْ نحو بقرتِها الحامِل ..!!!

قد يهمك

فظاهرةُ حَجزِ الزوجةِ المُستقبليّةِ للولدِ منذ الصّغرِ كانتْ ظاهرةً مُنتشرةً بكثرةٍ بين أهلِ البوادي ...


تكبُر البنتُ ولا تعلم شيئاً عن مصيرِها ولا تُراعى نفسيتُها ولا عاطفتُها ...


تكون حياتُها في يَد غيرِها ، وزوجُها المستقبلي هو كذلك لا يعلمُ عن زواجِه شيئاً ...


يتَّفق الأبوانِ في السّرّ ، ويكبُر الإثنان دون أن يكونا قد مرّا بتجربةِ حُبٍّ أو ما شابَه ...!!



تكبُر " نورة " عاماً بعد عامٍ وأنوثتُها تزداد بُروزاً ، وهي تحتَ عنايةِ ورعايةِ أهلِها ودون أن يعلمَ أحدٌ شيئاً ، الكلّ يجْهلُ مصيرَها وعن زوجِها المُستقبلي ، وزوجُها كذلك لا يعلمُ شيئا من ذلك ...


بلغت سنتَها الثالثة عشرة وازدادت عليها طلباتُ الزواجِ دون أن تعلَمَ شيئاً ، ماعدا والديْها ، فهما يَرفُضان بدونِ أن تدريَ ما يجري في الكواليسِ ...


ما عادت تلك الفتاةُ الصغيرةُ فقد كبُرت وصارت شابةً ، لكن خجلُها لم يسمح لها أن تستفسرَ ، فأهلُ البوادي يغلبُ عليهم الحياءُ والحِشمةُ ...


كبُرت " نورَة " بين المراعي والحقولِ وترعرعت مجتهدةً لا تأبَهُ بشبابِها وجمالِها وزينتِها ، الأمرُ كلُّه موكولٌ إلى الوالدين هم من يزوّجون الذكورَ والإناثَ ...


لا ٱختيار ولا ٱستشارة ...


كلاهما مجبوران على مصيرِهما ...


إستغلّ الحاجُ " عيّاد" ولادةَ بقرتِه الحامل ليُحضِرَ لحفلةٍ ليليةٍ ، فعادةً ما كان يحتفلُ أهلُ البوادي بأكلِ اللّبان بطريقةٍ خاصةٍ وبطقوسٍ خاصةٍ ...


إجتمعت حول " عياد " العائلتان ، عائلةُ الفتاةِ وعائلةُ الولدِ ليتحدَّثا عن زواجٍ مستقبلي بين الفتاةِ والولدِ ودون تأخرٍ ، وهما لم يكونا يعلمان شيئاً عن ذلك ، فوجِئا بالقرارِ المُتّخذِ منذ زمانٍ ، وكانت هذه العادةُ منتشرةً بين أهلِ الريفِ ساريةً حِفاظاً على شرفِ العائلةِ ، حيث إنه يتِم مراقبتُهما من الطرفين من بعيدٍ ولا يمكنُهما ربطَ علاقاتٍ جانبيةٍ دون علمِهما ...


تسرّب الخبرُ إلى شبابِ أهلِ القريةِ كالنارِ في الهشيمِ ، كانت شابةً جميلةً عَشِقَها كلُّ من رآها وتَمنّاها لنفسِه ...


لكن الأقدارَ تسبِق كلَّ الأسرارِ ...


لم تمُرّ إلا أيامٌ حتى ضجّتِ القريةُ بالزغاريدِ والأهازيجِ وإطلاقِ المفرقعاتِ في الهواءِ إعلاناً عن زواجِ " نورَة " الجميلةِ ...


الكُلُّ يتساءلُ متى كان هذا الإتفاقُ الذي جرى دونَ علمِ شبابِ القريةِ ...


كان عُرساً رائعاً إمتزجتْ فيه فرحةُ العائلتين ومفاجأةُ الزوجين وصدمةُ شبابِ القريةِ ...


فالزوجانِ لم يُستشارا في مصيرِهما ، كلُّ شيءٍ وقع بعيداً عن إرادتِهما ...


والقاعدة إذا ٱتفقَ الوالدان فلا مجالَ للنساءِ من التّدخلِ ، ولا مجالَ للمعارضةِ أو المُراوغةِ ، الحكمُ حكمٌ ذُكوري والمصيرُ بين أيدي الرجالِ ، وللنّساءِ المباركةُ ...


بقلم


عماد فرح رزق الله...مصر