مكانة مجهولي النسب
مكانة مجهولي النسب
دائماً ما تراودني العديد من الأسئلة عن ظلم العالم البشع لمجهولي النسب..
لماذا إن سمعنا خبرًا عن رضيعٍ ملقى بجانب إحدى الحاويات تهتز أبداننا وتنهال الشتائم والدعاوي على ذويه ونحزن عليه وترق قلوبنا له؟! ،، لكن بمجرد أن يَكبُر قليلاً يختلف كلّ هذا وتتغير نظرة المجتمع؛ فهذا الذي ينظر إليه بقرف وتلك التي تبعد أطفالها عنه كي لا يلعبوا معه. بالإضافة لحرمانه من كثير من الحقوق الانسانية والمدنية أحياناً ؛ كالزواج، فبمجرد أن يعلم ذوو الطرف الآخر أن ابنتهم او ابنهم سيرتبط بشخص مجهول النسب تتكهرب أجسامهم وينظرون للأمر على انه عار وعيب وفضيحة ستلازمهم أبد الدهر .. نحن من نضع هذه الفئة بذلك القبو المظلم العتيق من ثم نَصُبُ عليهم التراب فَنحرمهم من الخروج منه، نلومهم لذنب ليس لهم أي يدٍ فيه ..
نحن من نلقي شباكنا الدامية عليهم لندعهم ينزفون دون أن ترق أرواحنا لهؤلاء البشر .. قُل لي ما هو ذنب شابٍ أو فتاة في مُقتبلِ العمر أن يهجروا من الأصحاب والأخلاء فقط لأنهم مجهولي النسب؟! ،، ألا يكفيهم كلّ ذلك المرار الذي تجرعوه لأنهم لا يعرفون أباً أو أماً أو قريب؟ ..
حاولوا وضع أنفسكم قليلاً مكان هذا الإنسان دون أن تقولوا معاذ الله ان نكون مَحلّه، لا أظنكم تدركون كمية الحسرة والألم الذان يشعر بهما هذا الطفل عندما يرى اما تحتضن ابنها في الشارع، أو طفلة تضحك مع والدها .. جميعنا نبدأ بالحكم على الآخرين من الصورة الظاهرة فقط مع ان هذا الشخص قد يكون أفضل منا جميعا. مع العلم أن هذه الفئة ليس من المشترط أن يكون جميعُهُم قد أتو للحياة عن طريق الخطأ أو من علاقة غير شرعية ،، فإن بعض ضعاف النفوس من الناس قد يخافون على أطفالهم من الفقر المطقع فَتُراهُم بمجرد أن تضع المرأة رضيعها يلقوه في مكان معين حتى تجده الشرطة ويؤخذ لمأوى الأيتام فإن هذا الأمر بالنسبة لوالدي الطفل أفضل من أن يبقى معهم لأنهم ليسا قادرين على إكفائه حاجته من الطعام ، وبالطبع فإن هذه جريمة يعاقب عليها الله والقانون لأن الفقر ليس مبررًا لهكذا فعلة شنيعة ، أو من الممكن ان يكون مخطوفًا ، أو تعرض والداه لحادث ولم يتعرف أحدٌ عليهما.
و قد يكونُ طفلاً صغيراً لم يتعلم الكلام بعد أو دون سن الرابعة مثلاً تاه عن ذويه ولم يعرف طريق الرجعة ولا حتى اسم والده الكامل حتى يستدل الناس على أهله. أو أي من هذه الأمور العديدة ..
إن هذا ليس سرداً مسرحياً للهوية التي من الممكن أن ينتمي إليها مجهولي النسب، لأنه في الحقيقة ليس جميعهم هم اولاد زنا. و حتى أبناء الزنا لا يجوز علينا معاملتهم هذه المعاملة المشينة والمنافية للأخلاق والدين والإنسانية لأن الفرد لا يستطيع اختيار ذويه فإن هذا ليس خطأهم بل خطأ من ارتكبوا الجريمة الأولى وحاولوا إصلاحها بجريمةٍ أخرى أشد قسوة وفتكاً لروحٍ بريئة وهي رمي طفلٍ رضيع في الطرقات الموحشة لتفادي المشاكل أو حتى قد يقتلون الطفل قبل أن يرى النور.
نحنُ مجتمعاتُ تدّعي الرحمة والإنسانية لاكننا لا نرحم احداً،، قلوبنا سوداء مغلقة،، نبتسم لك اليوم لنطعنك غداً .. كيفَ نطلبُ الرحمة ونحنُ لا نرحم؟!