فقدت ذاكرتي
للكاتبة إيمان عبدالله
فقدت ذاكرتي |
انقشع الضباب عن عيني بعد سبات عميق، هو نفسه الذي تشكّل أمامي منذ مدّة... شعرتُ بنفسي كفراشةٍ تطوف حول الضوء ولا تستطيع الوصول إليه، هكذا كنت أجول حول الحقيقة لكني أرفض الاقتراب منها، الجلوس وسط أفكاري والعودة إلى أيامي ما قبل الحادث، حادث ذاكرتي.
تخبرني عائلتي بأني كنت أهوى الكتابة وأن معظم وقتي كان يهرب مني لكي أخطّ بريق عيناي وشتى زهور مشاعري على أوراقي، هذه الحقيقة الوحيدة التي تأكدت منها عندما أمسكت القلم وتحرّكت يداي عنوة مصطحبة لمعان عينيّ المفقود.
تمكّنت من فهم بأنني كنت ناضجة وقوّتي قد فاقت الكثير حيث أن صلابتي جعلت مني إنسانًا لا يشعر ولا يتوسّع بؤبؤ عينيه عندما يُجرح، لكن شيئًا ما لم أتمكن من معرفته، شعورٌ يغلب قلبي ويستملك آلامي جميعها لتتمحور في غصّة واحدة يحاول عقلي قتلها، مُجاهدًا أن لا يعيش ذلك.
نبضات سريعة تولّدت عندما قرأت ما كنت أكتب، تخبرني فتاة بأنها تعلم قصّتنا كاملة وشَهِدت على تفاصيل كثيرة، عندما سألتها من أنتِ؟ تجمّعت الدموع في عينيها لتمسحها مسرعة غير مبالية ثم تابعت حديثها بصوت مُكتظ بالخيبة.
يبدو أنني اقترفت كارثة بحقّ قلبها، حدّثتني عنك وعن ما عشناه سويًا، حاولتُ باكية أن أتذكر صورتك ولكن قلبي يرفض ذلك، الغريب في الأمر أنها كانت تسترقُ النظر إليّ بشغف وتختصر تفاصيل كثيرة، هذا ما لم أستطع تفسيره
أحيانًا نخوض تجاربٌ تنهش داخلنا دون انتباهنا، يبدو أني كنتُ ضحية حكاية كارثية النهاية، هذا الذي دفعها تحاول جاهدة لجعلي أنسى ضربات قلبي التي تتولّد عندما أقرأ اسمك، فقط لحمايتي من شيءٍ لا أعلمه.
لكن بعد محاولات كبيرة وسنوات كثيرة تمكّنت من استذكار الكثير عدا قصّتنا كانت ناقصة النهاية من الرّاوية اللطيفة.
<><>
في يوم صيفي قادتني قدميّ عنوة نحو مكان أعرفه جيدًا لكن لا أدرك ماذا حصل فيه، عندما وصلت آلمني قلبي وبدأ يقرع كالطبول حتى أحسست أنه سيخرج مني مهرولًا إلى الأفق كطيرٍ حبيس نال حرّيته، ما هي إلّا ثوانٍ حتى تردّد على مسمعي صوت أحفظه مترافقًا بكلماتٍ تبتر الرّوح، بل أكثر!
وبعد كل هذا خُلقت صدفة جعلت عينيّ تتلاقى بتلك العيون التي لطالما استنكرتُ كتابتي عنها، حينها مرّ أمامي كل شيء كشريطٍ سريع علمت من خلاله هويّة بطل قصصي.
كنت أنت من رماني للسنين دون أن يشعر بذرّةِ خوفٍ على روحي والذي هدم بيوت حبّنا كوحشٍ ضارٍ غير آبهٍ بسكان هذه المدينة، عندها علمتُ لما الفراشة تبتعد عن الضوء قدر المستطاع لأن الحقيقة التي نحبّها دومًا مؤلمة وما كان مني سوى أن رأيت ذلك المشهد الأليم، خصامٌ وجروح، صراخٌ واتهامات، انفصالٌ كارثي وبعدها حصلت كارثتي الكبرى بواسطة سيارة دهست بقايا فؤادي المتكسرة بيديك.
خططت رسالتي هذه لكي أمحوك مني وأقتل مشاعري البالية، لقد حاول القدر أخذ ذاكرتي مني لأنساك، فهل تدرك حجم أذيّتك حتى تساوت بقيمة موتي؟
أتعلم؟ لو كانت ذاكرة قلبي المفقودة، لكان أفضل.