مجتمع ثرثار
مجتمع ثرثار |
في مختلف الأزمنة وعلى مرّ العصور وبني البشر لم يسلموا من بعضهم البعض، أُصيبوا بداء يسمى داء الثرثرة، خلقه الله عز وجل بداخلهم ووضعه في ألسنتهم يتلفظ بها بعد أن ينبع من قلوبهم الدنيئة، الحقد والكراهية، والبغضاء لبعضهم، وبالتالي توجد دوافع رئيسية تسببت في انتشار داء الثرثرة وهي: حب النفس ونازع الأنانية، اللذان يؤديان إلىٰ الحقد والكراهية، والبغضاء، من شخص تجاه شخص آخر هكذا هم بني البشر فهل من ناجٍ؟
هل من ناج من داء الثرثرة؟
دائمًا ما يُثار بداخلي تساؤلات كثيرة هل من الممكن أن ينجو أحد من الثرثرة، هل يسلم أحد منها؟ كلا لقد كنت أنا وعقلي في حيرة من هذا الأمر إلى أن رسىٰ بنا إلى أنه لم ولن ينجو أحد من هذا الداء الذي كثيرًا ما غزى قلوب ولو نجىٰ منها أحد لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول الناجين فلقد أُتّهم بادعّاءاتٍ كاذبة وباطلة قيل عنه أنه شاعر، وساحر، وكذاب....إلخ لم يسلم خير خلق الله من كل هذه الاتهامات لم ينجو من الثرثرة وهو من هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولماذا نذهب بعيدًا فلم يسلم منها خالق الأرض والسماوات وهو رب العالمين، والدليل على ذلك، عندما قال سيدنا موسى لربه ياربي كف عني ألسنة بني إسرائيل فقد أذوني، قال الله تعالىٰ: يا موسىٰ ما اتخذته لي وأنا رب العالمين فكيف أتخذه لك، فلقد قالو اتخذ الله ولدًا، الله سبحانه وتعالى خلق الناس وكساهم ورزقهم إلا أنهم ماذا قالوا، الله فقير ونحن أغنياء، والسيدة مريم رضي الله عنها كانت ستواجه مشكلة عظيمة مع بني إسرائيل ومع هذا قال الله تعالى: "كلي واشربي وقرّي عينا". وفي زماننا هذا لم ينجىٰ الطبيب ولا المهندس ولا العالم كل هؤلاء كثيرًا ما عبروا بنا من بحور الجهل والفقر والمرض والضلال إلى برّ النجاة والأمان والسلامة والطمأنينة، أتعجب كيف لعالم ذاق من العناء كؤوسًا، ومن المشقة بحورًا
<><>
وأطنانا ليتوصل إلى معلومة واحدة تفيدنا ولم ينجى أيضا، وطالب قد يُخطئ في كتابة اسمه صحيحًا ويتهم عالمًا في علمه ويقول أنه لا يعلم شيء دكتورًا ظل خمسة عشرة عامًا بين أحضان الكتب فُني ربع عمره وهو بين طيات وريقات الكتب وأخراها وفي الأخير يتهم أنه لا يعلم شيئًا ، وإمام صعد المنابر يعظ الناس، وشاب لا يملك سوى لسان قلّ أدبه ويقول عليه ما هو بشيخ إن هو إلا فاسق، والله لا أقلل من شأن أحد ولكن ما وصلنا إليه يتألم قلبي له كثيرًا وصلنا إلى قدر كافٍ من الانحطاط وبذائة اللسان فمتىٰ سنكف حينًا؟
أنواع البشر:
من الطبيعي أن شاب يبلغ من العمر ثلاثة وعشرين عامًا يتسع له المجال في أن يتعامل مع مختلف أصناف وأجناس بني البشر ومن خلال هذا التعامل أدركت أن البشر يختلف طباع ونقاء كل منهما عن الأخر وقسمتهم إلى ثلاثة:
1. أناس أحبوا لك الخير وأعانوك عليه
فكلما مر الزمان وانتهى، انتهى معه أناس وأقوام أتى زمان جديد بأناس وأقوام قلوبهم قاسية عمّا قبلهم، الأمر أشبه بطوبة لبنة كلما مر عليها الزمان تحجّرت وعلى الرغم من ذلك فالخير باقٍ أعلم، أعلم أن هؤلاء فئة قليلة يتمثلون في أبيك، وأمك، وإخوتك وعليك بالنظر جيدًا في قلوب بني البشر واصطفاء منهم من أحبك حبًا خالصًا لله لا شائبة فيه ولا مصلحة منا من سوف يجد ومنا لن يجد على حسب ما رزقنا ولكن اعلم عزيزي القارئ أن الخير دائما باقٍ ومنتصر.
2. أناس انشغلوا عن حالك بحالهم
هذه أيضًا فئة قليلة بل تكاد تكون منعدمة ويا حبذا لو كانت الأكثرية ولكن كيف فكما ذكرت آنفًا في مقال سابق "متى سينتهي خطر الانتحار" أننا مجتمع للثرثرة فلا تلتفت، فانعدمت هذه الفئة، وانعكست الأية تمامًا وأصبح كل منا يضع عينيه في بيت جاره كل منا يضع عينيه على زوجة جاره وماله وعمله، انشغلنا عن طاعة الله بحال غيرنا وتركنا حالنا يبور بورًا.
<><>
3. أناس كرهوا لك الخير
كله أكثره وأقلّه، سنتوقف بضع لحظات عند مرحلة من التدني المجتمعي والانحطاط الأخلاقي تشيب لها القلوب، وتقشعر لها الأبدان، وتنفجر الرؤوس من مجتمع آخر يسوده قانون حب النفس حيث الحقد والكراهية والبغضاء وكأنك خُلقت فوق رؤسهم ورزقت مأكلهم ومشربهم وملبسهم ومسكنهم، هم يعلمون أن كل له رزقه لا أحد يُرزق رزق آخر، وعلى الرغم من ذلك لا فائدة من علمهم، إنهم كالحمار يحملون أسفارًا، يعلمون تعاليم الإسلام ولا يعملون بها، فما الجدوىٰ من علم وفهم دون تطبيق، قلوبهم كالحجارة أو أشد قسوة يغشاها الأنانية وحب النفس، كل هذه الصفات وأكثر
تجمعت في قلب مجتمع ثرثار، ألسنتهم تتحدث نفاقًا في حضرتك، نميمةٌ في غيبتك، وكلتا الحالتين القلب فيهما يحمل لك قساوة لو رأيته تمنيت لو يجعل الله بينك وبينهم أمدًا بعيدًا، كل هذه مخاطر عليك إدراكها وتجنبها.
-ثالثًا: لا فرق بين مجتمع وآخر.
إذا كنت من ساكني الريف أو كنت من ساكني الحضر فاعلم أنك دائما محاط بأشخاص ثرثاريين لا فرق بين بلدة وأخرىٰ ولا بين مجتمع وآخر، المدائن كلها يوجد بها أناس تحجرت قلوبهم وأصابتها القساوة وابتعدت عن منهج الله تعالىٰ، التقدم والتحضر في القلوب، اجعل الخير وحب الناس يسكن قلبك ولا تسكن مدينة زُعم بأن الخير يسكنها، فالخير يَسكن لا يُسكن.
-رابعًا: عدم الاستماع والمُضيّ للأمام
يجب علينا كل يوم أن نمضي قدمًا للأمام نخطو خطوة نحو نجاح ينتظر منا عدم الاستماع للثرثريين والاجتهاد للوصول إليه، الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: "ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فاعرض عنهم.." فعلينا أن نُعرض عن أشخاص ثرثريين يريدون لنا التأخير والرجوع للخلف.
أيا عبدالله خُلقت للعبادة فانشغل بها ودعك وشأنك من الثرثرة (وفي حديث لرسول الله صلي الله عليه وسلم:" إن أبغضكم إليّ وأبعدكم عني يوم القيامة الثرثرون والمتشدقون والتفيهق".فإن كنت متّسخ القلب، بذيئ اللسان متحدثًا بها فهي لن تفيدك، وإن كنت مستمع لها فلا تلتفت وامضي قدمًا للأمام فوالله لن تنجو ولن تسلم.
#محمد_مختار_دراز