الحياة شقاء والأمل وردة - الحياة والأمل
كتب/ الكاتب محمد ناصر
في صمت الزقاق
كان وقع أنفاسه المخنوقة ينساب كأصداء قيثارة مكسورة الوتر. أطلق تنهيدةً عميقة، وغاص في دوامة التأمل. انسلّ صوت الندّابين من الأزقة البائدة ليشق خياطة الظلام، ناسجًا لحنًا جنائزيًا يمزّق أحلام الأجيال
![]() |
الحياة شقاء والأمل وردة |
همس لنفسه بنبرة مكسورة: "الحياة شقاء"
هنا، بين الأزقة المتعفنة، يبدو الفقر لونًا رماديًا يكسو الأيام، والجشع يحوّل المدن إلى قفار. في بلاده، تتكاثر الفئران في زواريب السياسة العفنة، تقتاتُ على فُتات الأمل الذي يُلقى لمَن أنهكهم الهمّ. أحلامُه الفتيّة تلاشت وسط نعيق الفساد، ليتبدل كل حلم بصراخ فاتنات الطمع اللائي يهززن أعطافهن تحت ضوء مصالحهن
في خياله المنسي بين زوايا الفوضى
سمع صدى صوت أبيه المعتق بالحنين: "الأمل مثل وردة نبتت في صحراء الجفاف، قد تحيا رغم الظروف إن كان لك إيمانٌ بها". وجدت الكلمات طريقها إليه كمنجًى في هذه المدينة المنكوبة، فتشبث بها كالغريق بيد المنقذ، وظل يرى النور ولو في أطياف الضباب
التقط مسمعاه ضحكة فتى
يُخبر رفيقه عن زنبقة بذرها والده في ركن الحديقة، رواها لسنوات، حتى أزهرت شجرة وارفة. ارتسمت على شفتيه المشققتين ابتسامة ساخرة، وكأنّ حديث الزنبقة ليس إلا خرافة في وسط واقع مرّ. ومع ذلك، تطايرت من أعماقه ضحكة خافتة مدفونة، تشبه ضحكات الأمهات المثقلات بالحياة وهن يجاهدنها بابتسامة الصابرين
نهض من مكانه بحزم
وفي أذنيه يتردد صدى "الأمل وردة". وقف مستقيمًا كأنه دعّم هشاشة حلمه بأعمدة من الرخام. ألقى نظرة على الزقاق الكئيب، ثم حزم خُطاه ليقطع ظلمة الطريق. في قلبه دربٌ مليء بالخدوش، لكنه تمسّك بذلك السراب، طامحًا لكسر دوائر الشقاء بيديه الضعيفتين
هكذا يبدأ التغيير بنظرة مليئة
بالإصرار، وأي بداية جديدة تحتاج إلى تحدٍ في مواجهة القديم. تأمل الفجر يحبو كنطفة ضوء بعيدة في الأفق، كأنّ الشمس تربّت على كتفه وتهمس:
"أما آن للظلام أن يرحل؟"
فأجابها بابتسامة خفيفة تخفي وراءها دموع المكابدة، بينما غمرته سكينة بهية بنشوة الأمل.
في ذلك الشاب العشريني، وُلِد تحدٍ عنيد ينبت من رحم الشقاء، فازدهرت أكمام وردته الأولى في صحراء البؤس المتلألئة بالسراب.
في الختام، كان يردد: الحياة شقاء، لكن بين عذاباتها تتفتح الزهور
مُحمَدنَاصِر